بحث هذه المدونة الإلكترونية

٢٠٠٨-٠٧-٢٠

إعادة الاعتبار إلى العلمانية


لا تنطوي العلمانية على رفضٍ لدور الدين في الحياة السياسية، فمعظم المجتمعات الغربية الصريحة العلمانية، بها أحزاب وحركات تمارس السياسة والعمل العام بصورة علنية وفقاً لمرجعيات دينية مختلفة، إلا أن الفيصل هنا هو التزام تلك المجتمعات بمعايير المواطنة المدنية بالبعد عن الممارسات التمييزية وعدم نزوعها إلى احتكار السياسة باسم الدين.



.
كلمة العلمانية اليوم إحدى الكلمات السيئة السمعة في المجتمعات العربية، اللسان الشعبي يستخدمها كأحد مترادفات معاداة الدين أو العمل على فصل الدين عن المجتمع وأفراده، بل وقد يصل الأمر أحياناً إلى الربط بينها وبين الإلحاد والكفر. وفي هذا كله الكثير من الجهل والتعميم والافتئات على أحد أهم مرتكزات الدول الحديثة.
باختصار ومن دون الدخول في تفاصيل تاريخية وفلسفية لا تهم سوى القراء المتخصصين، تشير العلمانية إلى معانٍ أربعة رئيسية:
أولها، هو المساواة الكاملة بين المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، فمن رحم العلمانية ولد مفهوم المواطنة المدنية الجامعة، وكفلت الدول الحديثة في دساتيرها وتشريعاتها حقوقاً اجتماعية وسياسية متساوية لأبناء الوطن الواحد من أتباع الديانات المختلفة.
ثانيها، هو ضمان حرية ممارسة التعاليم والشعائر الدينية في إطار من المساواة القانونية لا يفرق بين دين الأغلبية ودين أو ديانات الأقليات ويحمي التعددية القائمة، فتقديم المواطنة المدنية على الانتماء الديني استتبع التزام الدول الحديثة الحياد التام بالامتناع في فعلها ومؤسساتها عن التمييز، سواء الإيجابي، أي المحاباة، أم السلبي، أي الاضطهاد، باسم الدين.
المعنى الثالث للعلمانية، هو خضوع الهيئات الدينية، كغيرها من الهيئات الحكومية وغير الحكومية في المجتمع الحديث، لرقابة السلطات العامة خصوصا السلطة القضائية بهدف المنع المسبق لأي تجاوزات قد تحدث داخلها أو الكشف اللاحق عنها ومعاقبة مرتكبيها. فالعلمانية تستند إلى نظرة واقعية للهيئات الدينية لا ترى بها مجرد كيانات طاهرة لا يأتيها الباطل من بين يديها أو من خلفها، ولا تضفي قداسة على رجال الدين، ومن ثم تعاملهم كغيرهم من المواطنين المسؤولين عن أفعالهم أمام القانون.
أما المعنى الرابع، فيتمثل في تحول الدين بتعاليمه وهيئاته ورجاله ليصبح أحد الإطارات والأنساق القيمية الموجهة لحركة الدولة والمجتمع وليس هو الوحيد. فالدول والمجتمعات الحديثة لا تعادي الدين، بل تمزج في تشريعاتها وتنظيمها بين معايير دينية وأخرى وضعية على نحو يبتغي تعظيم مساحات الكفاءة والرشادة والعقلانية والحرية ويحول دون تسلط فئة باسم الدين على بقية المجتمع.
لا ترتبط العلمانية إذن بمعاداة الدين أو فصله عن الدولة والمجتمع، إنما هي، قبل كل شيء وفي الجوهر، دعوة ومحاولة لتنظيم دور الدين ودمجه في إطار حديث يضمن المساواة بين المواطنين ويحمي التعددية والحرية الدينية. وما شعار ثورة 1919 المصرية الخالد «الدين لله والوطن للجميع» سوى صياغة مصرية أصيلة لهذا الجوهر لامست بصدقها وعمقها ضمائر الملايين من المصريين وماتزال.
كذلك لا تنطوي العلمانية على رفضٍ لدور الدين في الحياة السياسية، فمعظم المجتمعات الغربية صريحة العلمانية به أحزاب وحركات تمارس السياسة والعمل العام بصورة علنية وفقاً لمرجعيات دينية مختلفة، إلا أن الفيصل هنا هو التزام تلك المجتمعات بمعايير المواطنة المدنية بالبعد عن الممارسات التمييزية وعدم نزوعها إلى احتكار السياسة باسم الدين.
أما ممارسات كمنع الطالبات المحجبات من دخول المدارس الفرنسية، أو رفع العسكر الأتراك وقضاة المحكمة الدستورية لشعار العلمانية لتبرير انقلابهم غير الدستوري على حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، أو المنع المطلق للدستور المصري بعد تعديلات 2007 الكارثية لتأسيس أحزاب تعتمد المرجعية الدينية، فجميعها نماذج محبطة لتوظيف سطحي ومبتذل وسلطوي للعلمانية، وهي منهم براء.
* كبير باحثين بمؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي






=====================================






مقال رائع للدكتور عمرو حمزاوي في جريدة الجريدة يشرح به مفهوم العلمانية بشكل بسيط دون استخدام للكلمات المعقدة والمبهمة والتي لن تفيد القضية ولن توصل المعنى المطلوب لسمو العلمانية بعكس مايفهمه البعض او ماصور لهم بشكل مغلوط .








هناك ٦ تعليقات:

Samir Saad يقول...

صعب حد يعترض على الكلام دا، كلام جميل ومعقول. مشكلتنا اننا لسه مش حاسين ان العلمانية هي حل جيد لما نعانيه من مشاكل اجتماعية وسياسية بل واقتصادية بالشرق الكئيب.

تحياتي

UmmEl3yal يقول...

عزيزي لا أعتقد ان المسألة سوء فهم. لان المراجع موجودة وبح صوت اللبراليين والعلمانيين في شرح معنى و تاريخ مصطلحي الليبرالية والعلمانية .. ولكن الخلط والتضليل مستمرين حتى من قبل هؤلاء الذين يدعون الثقافة والانفتاح.

أعتقد انه استعباط ومجهود مدروس لخلط المفاهيم لصالح المتأسلمين.

rai يقول...

The Innocent

احسنت عزيزي فالاغلبية حتى الان تعتقد بالعلمانية بانها دين !!
وبانه التفكير بها يعتبر كفر وزندقة .








UmmEl3yal

هو الخلط بعينه , لكن لنكن واقعيين المراجع الموجودة ألم يعتريها غبار التأسلم حيث ازال ما يراه غير موافق لفكره هنا بدأت المشكلة في سوء فهم العلمانية بوجهها الحقيقي .

UmmEl3yal يقول...

طبع عزيزي، وخصوصا اذا كنت تعني المثل التركي وغيره من اتخذ من العلمانية ستار. ولكن حينما ننقاش الأفكار الدينية هل يقبل المتأسلمون أن نستخدم المستشرقين كمراجع؟ أو حتى مراجع من مذهب مختلف؟ هل يقبلون أن نأخذ أفغانستان أو ايران كأمثلة؟ في حين أنهم يألفون تعريفاتهم الخاصة باللبيرالية والعلمانية ثم يستخدمونهم كمراجع! هل هذا خطأ؟ أم غباء؟ أم ببساطة دهاء سياسي مبني على كسل القاريء العربي بشكل عام؟

Mozart يقول...

من اول ما قريت الموضوع قلت مستحيل العزيز راي يكتب كلام انهزامي مثل هذا و توقعاتي طلعت صحيحه

اسمحلي زميلي لكني اشوف الموضوع فيه دهان سير و محاباه للجمهور العربي و جماعه يالله حسن الخاتمه

غير معرف يقول...

ويش رأيك انت وولد كريشان ومشتوك وغيركم من الخليجيين تعملوا مجلس تعاون الملحدين