بحث هذه المدونة الإلكترونية

٢٠٠٨-٠٢-١٠

الزهد بالدنيا وطلب الاخرة

الزهد في اللغة يعني (الإعراض عن الشيء لاستقلاله واحتقاره وارتفاع الهمة عنه) كما ذكر ذلك ابن رجب , وايضا تعريف اخر للزهد هو عبارة عن انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه ، و هو ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة و أن يخلو قلبك مما خلت منه يداك ، و يعين العبد على ذلك علمه أن الدنيا ظل زائل و خيال زائر فهي كما قال القران : ( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً ) وسميت ايضا "بمتاع الغرور" ونهي عن الغرور بها وتوعد المغترين بها , وقال ارسول (الزهاد في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق مما في يد الله، وأن تكون في ثواب المصيبة إذ أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها بقيت لك) و قال ايضا (أزهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس) وقال علي بن ابي طالب (الإعتدال في العيش دون الحرمان من الطيبات وهذه لعامة الناس، وإختيار الفقر والحرمان للأئمة) وقال ايضا (على أئمة الحق أن يتأسسوا بأضعف رعيتهم حالا في الأكل واللباس ولا يتميزون عنهم بشيء) , ومن مرادفات الزهد التقشف وهو اكثر من الزهد مرتبة ويرد كذلك مفهومي "الحرص" أو "الإقتصاد" اللتان يعنيان الوسطية في الصرف والتصرف وعكس الزهد يرد الإسراف أو التبذير ترد كثير من التفاسير في اللغه والفقه الإسلامي ومنها يقول الجرجاني بان الإسراف (هو إنفاق المال الكثيرفي الغرض الخسيس) وفي موضع آخر يقول الإسراف هو (صرف الشئ زائدا على ما ينبغي، وبخلاف التبذير،لإانه صرف الشئ فيما لاينبغي ) وعرف التبذير إبن العربي قائلا (أنه تجاوز الحد المباح الى المحضور) وقال عن التبذير (هو منعه من حقه ووضعه في غير حقه، بمعنى الإسراف) , طبعا لايقصد بالزهد رفض الدنيا فقد سئل الإمام أحمد : أيكون الإنسان ذا مال و هو زاهد قال : نعم ، إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصانه ، و قال الحسن : ليس الزهد بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال ، و لكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك ، و أن تكون حالك في المصيبة ، و حالك إذا لم تصب بها سواء ، و أن يكون مادحك و ذامك في الحق سواء .هذه هي حقيقة الزهد، وعلى هذا فقد يكون العبد أغنى الناس لكنه من أزهدهم ؛ لأنه لم يتعلق قلبه بالدنيا،وقد يكون آخر أفقر الناس وليس له في الزهد نصيب ؛لأن قلبه يتقطع على الدنيا , و الزهد في الحرام فرض عين ، أما الزهد في الشبهات ، فإن قويت الشبهة التحق بالواجب ، وإن ضعفت كان مستحباً .

وسبب الزهد بالدنيا هو بسبب زوالها وجعل حب الناس للاخرة هو الاقوى وتذكرها ومحاولة عدم نساينها كما جاء بالقران ( و فرحوا بالحياة الدنيا و ما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ) و جاء ايضا (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وقال الرسول (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ؛ فإنها تزهد في الدنيا و تذكر الآخرة ) , لذلك حرص الدين الاسلامي على عدم الفرح بالدنيا او جعل الحياة كلها فرح وسرور ونسيان هدف خلقهم وهو عبادة ربهم وحسابهم يوم القيامة وهو جل اهتمام المسلم المؤمن فكل اعماله وسلوكه وتصرفاته كلها لذلك اليوم الموعود فالحياة الدنيا ماهي الا سنوات معدودة وكما قال عمر بن الخطاب ( عش بالدنيا كانك عابر سبيل ) وقال ايضا د. علي ثويني وهو معماري وباحث اكاديمي , في الزهد :

"وللنصوص الداعية للزهد تفسير فلسفي تنعكس من شعور المؤمن بالهوة السحيقة بين سمو الآخرة وحقارة الحياة الدنيا كما أسلفنا في رسالة الإمام علي بن أبي طالب -يقصد بها حديث علي بن ابي طالب السابق الذكر اعلاه- .ويمكن ان يكون هذا سببا كافيا لأن تعلن جل الأديان كفاحها ضد الجميل لحدسها بأن ذلك الجميل يقيد الناس بالدنيا ويطمعهم بمتعتها الموجودة في الملبس والمأكل والأهم في العمارة التي هي خير محل لتفريغ حالة العافية التي تكتنف الإنسان وبذلك جاء الدين والفن الديني والعمارة الدينية موجبا على الناس خشية الخالق الضابط لتلك الجدلية.وبالرغم من ذلك فأن الديانات تعلن عدائها ضمنا للجميل لكنها لم تعلن عدائها "للسامي" الذي يعاضد الممارسة الأخلاقية في العقائد لما لها من تداخل مع الغيبيات التي تثنينا عن الإتيان بالقبائح. وكان من وراءعدم القطيعة مع "السامي" من تاثير عاطفي على الناس ،حينما يترك لديهم دهشة ،ويوقظ فيهم الحماس من خلال الهيبة التي يفرضها على المتلقي فيشعر بعدم قدرته على المقارنه مع الظواهر الأخرى. "


لماذا يحرص الدين الاسلامي على ترك رغد الدنيا من متاع وسرور الى انتظار متاع الاخرة الوهمي او الغيبي ؟

مايجعل المتديين-جميع الاديان-يعيش بحالة من التقشف والزهد من ملبس وماكل وتركه لملذات الحياة هو حرصه على انتظار الاخرة المحملة بالخيرات الابدية عكس خيرات الدنيا الزائلة , لكن مايجعله هكذا واثق فلا يوجد دليل حسي على وجود حياة اخرة وانهار خمر وعسل وحور عين وغلمان ... الخ , فهو كمن يضيع حياته وماتحمله الدنيا من فرص عظيمة في سبيل الفوز بالاخرة , كانت ولا تزال فلسفة الانسان تبين على ان هذه الحياة زائلة لا محالة بكل ما تحمله من الم ومعاناة وحتى بعض الفرح وانه يجب تواجد حياة بعد الموت خالية من تلك الموجودة بالدنيا الفانية وصورها بانها حياة مثالية .


كانت هذه مقدمة للقارئ الكريم لقرأة قصة سليم..و الذئب الجائع من مدونة الزميل الرجل الحر .



هناك ٩ تعليقات:

فتى الجبل يقول...

الدين حثنا على الفرح والابتسام بويه الناس
الدين حثنا على التمتع بالرزق بدون بخل وبدون اسراف
عاد اذا أكو انسان بخيل وثاني مسرف فهذي مشكلتهم مو مشكلة الدين
ومثل ما ان احنا ننطر الحياة الثانية بعد الموت ترى هم ربنا حثنا على اعمار الأرض

atsuma the free man يقول...

صدقت يا عزيزي

هذا ما كنت اقصده من قصتي
وانا اخاطب شعوباً مازال تفكيرهم مثل اطفال

الزهد بالدنيا و طلب الاخره هو هدف المؤمن الرئيسي اما الاهداف الباقيه ثانويه

لا استغرب تاخرنا قرونا عن العالم

مقاله رائعه
تحياتي

atsuma the free man يقول...

شكرا لاعلانك لقصتي

اتظر تاريخ 18من فبراير لمقالتي الجديده

rai يقول...

فتى الجبل

صدقت عزيزي وقد استشهدت بايات واحاديث تبين ذلك , لكن الهدف من المقال هو مدخل لقصة الزميل الرجل الحر التي هي تبين مقصدي :)




الرجل الحر

لا شكر على واجب فقصتك بحق رائعة ومعبرة وتبين طريقة تفكير المؤمنين وتحاكي عقولهم :)

strawberry يقول...

shay asasy fena k moslmen ena na6leb el2a5ra o0 manaby shay men eldnya
9a7 lsank a7san shay gaaretah ma8altk

غير معرف يقول...

اسمحلى نكون اصدقاء
انا ملحد جديد
اشعر بما يشعر به الملحدون واتمنى ان نصل قى يوم ان نعيش حياه جيده وان ناخد حقوقنا من مجتمعنا الذى يستحل دمنا

لمسه حانيه منى اليك
مقالك جميل وفعلا الاديان جريمه ضد الحياه
فهى حقرت من الدنيا والفرحه

صدقنى كل الشيوخ والمؤمنون بلا ضمير وبلا اخلاق
الالحاد هو قمه الانسانيه

اتمنى ان نكون اصدقاء وان نتبادل الزيارات دائما
سانتظرك
واتمنى ان تكون بخير وسعاده
وان نكون اصدقاء للابد
مثلى قوى

rai يقول...

strawberry

صح بدنك عزيزتي , ولو كان المقصد من المقال ان تكون مقدمة لقصة الزميل الرجل الحر الذي انصحك بقرأتها :)



mthlykaweyy

تشرفني زيارتك عزيزي

Eng.S يقول...

عزيزي علي


لا شك ان الزهد و البخل و مسك اليد بالدنيا لأسباب متعلقة-فقط- بالأخرة
هو دور يقوم فيه المدمن -او المؤمن لا فرق!- لتصفية نفسه من الشوائب و القاء جزء من المسؤليه في الحياة الدنيا ..تجاه الأخرة

و هو ما يتعارض مجددا مع حكمة الرب بتعمير الانسان في الدنيا ..

تحياتي لك و للزميل الرجل الحر صاحب القصةالرائعه

و هابي فالنتاين ديي

rai يقول...

Eng.S

احسنت عزيزي فهذا ماكنت اقصده :)

ولك ايضا